أحمد ملكاوي
على مدار الأعوام السابقة، لعبت منظمات المجتمع المدني، دوراً رقابياً ملموساً على الحكومة والبرلمان، فيما يخص سياسات العمل في الأردن وعلى وجه الخصوص تعديلات قانون العمل، متقدمة الرأي العام وناشرة التوعية والثقافة القانونية أملاً في تعديل القانون وفقاً لمعايير العمل الدولية ذات العلاقة.
تمثل هذا الدور من خلال رصد الاحتجاجات العمالية وإظهارها للرأي، إضافة إلى إصدار أوراق السياسات والبيانات والدراسات والتقارير المختلفة حول ضرورة توفير العمل اللائق لكافة العاملين والعاملات، ومنذ بداية تأثير جائحة كورونا، كان المجتمع المدني أول من حذر من تأثيراتها على سوق العمل وعلى وجه الخصوص تفاقم أرقام البطالة داعياً الحكومة إلى إجراءات تحافظ على العمال.
ومن هذه التحركات ما زالت منظمات المجتمع المدني، تدافع عن قضية معلمات القطاع الخاص، واللواتي يعملن في بيئة تعج بالانتهاكات، من حيث الأجور وساعات العمل والمعاملة السيئة واستثناء المئات منهن من الضمان الاجتماعيّ.
ورغم صدور قرار حكوميّ يلزم أصحاب المدارس الخاصة بتحويل رواتب المعلمات للبنوك، إلاّ أنّ ذلك لم يوقف منظمات المجتمع المدني عن رصد التزام إدارات المدارس الخاصة واستمرار المطالبة بتحسين شروط العمل.
وبدأ حراك معلمات القطاع الخاص من خلال حملة “قم مع المعلم” التي بدأت بجهود مجموعة من المعلمات ولقيت مساندة كبيرة من مختلف منظمات المجتمع حتى باتت اليوم واحدة من أبرز الحراكات العمّالية في الساحة الأردنية.
كذلك فإنّ العديد من منظمات المجتمع المدني، وقفت ضد شيطنة الحكومة لمطالبات نقابة المعلمين في احتجاجاتها المتواصلة شهراً كاملاً في 2019، وأظهرت أنّ مطالب رفع العلاوات، شرعية ودستورية يحق لأي عامل المناداة بها، فضلاً عن دورهم الداعم للتمثيل النقابي لفئة المعلمين بعد الانتهاكات التي تعرضوا لها من قبل الأجهزة الحكومية، وتمثلت بحل النقابة والحكم بحبس أعضاء مجلسها عاماً واحداً.
كما نادى المجتمع المدني، بمساواة ظروف العمل بين الذكور والإناث خاصة في ظل فجوة واضحة بقيمة الأجور لصالح الذكور، فضلاً عن ظروف العمل الصعبة التي تعاني منها النساء في غالبية أماكن العمل.
المنظمات والجمعيات المختلفة عملت على توصيل أصوات العمال والدفاع عنهم، من خلال تقارير الاحتجاجات العمالية التي يصدرها المرصد العمّالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات الاقتصادية بشكل سنوي وتغطية شبه يومية لها، وخدمات الترافع والتقاضي دون مقابل عن عمّال تعرضوا لانتهاكات عديدة وظلم من أصحاب العمل يقدمها مركز تمكين للدعم والمساندة، وبيانات وإصدارات ودراسات تعدها جمعية بيت العمال.
ولعب المرصد العمالي الأردني دوراً بإيصال أصوات العمّال من الميدان من خلال التواصل المباشر معهم والتواجد الدائم في الميدان لمتابعة ظروف العمل المختلفة وإصدار مذكرات وبيانات منها تقر بمشروعية مطالبات العمال كما حدث مع عمال البلديات عام 2019، وشكلت مناصرة ضاغطة على الحكومة للاستجابة لهم.
فضلاً عن ذلك كان للمجتمع المدني الأردني دور في طرح تعديلات على قانون العمل الأردني، والتي لم تنصفها السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولم تلب مطالب الجمعيات والمنظمات الى جانب النقابات العمالية، إلا أنّها ما زالت تتحرك باتجاه سحب مشروع قانون معدل لقانون العمل المنظور حاليا أمام البرلمان، بإصدار أوراق موقف وتحذيرات من خطورة تعديل بعض المواد وترك الأخرى دون إعادة تعديل، فانتهى المطاف باستثناء العديد من هذه المنظمات من المناقشات التي تتم داخل مجلس النواب.
ورغم ذلك، ما زالت المنظمات تنادي بضرورة خلق حوار مفتوح لإعادة بناء قانون العمل الأردني، وحمايته من التشوهات بفعل التعديلات المستمرة وقد بدا ذلك جلياً بالحملة المدنية عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبالتعاون مع عدد من الصحفيين غطتها وسائل إعلام دولية كـ”اندبندت عربي” و”سبوتنيك”، الى جانب وسائل الإعلامية المحلية المختلفة.
كل ما سبق من جهود المجتمع المدنيّ خلق في الأردن نوعاً جديداً من الصحافة وهو صحافة العمل والعمال، والتي بات يتبناها في الوقت الحاضر عدد من الصحفيين الشباب يتعاونون مع المجتمع المدني بهدف الحصول على الدراسات والإحصائيات التي لا توفرها مؤسسات الدولة أحياناً، أملاً بالوصول إلى سياسات عمل مرضية تحمي العمال ذكورا وإناثاً من الانتهاكات.
2021/4/21