شهدت السنوات القليلة الماضية تحولا كبيرا في اسواق العمل وبخاصة مع انتشار المنصات الرقمية التي تختلف طبيعة عملها بين نقل الركاب وتوصيل الطعام والمنتجات الأخرى، إضافة إلى تقديم خدمات رقمية مثل البرمجة والترجمة والتصميم وكتابة المحتوى والإعلانات وغيرها.
وفي بلد مثل الأردن يعاني من معدلات بطالة عالية وبخاصة بين الشباب التي وصلت نسبتها إلى نحو 43 بالمئة، ساهم انتشار المنصات الرقمية في توفير الآلاف من فرص العمل للشباب الأردني الباحثين عن عمل، ناهيك عن أن الخدمات التي تُقدمها مفيدة للمستهلكين.
وعلى الرغم من مساهمة هذه الأعمال في توفير فرص عمل لقطاعات واسعة من الشباب والشابات المتعطلين عن العمل والباحثين عن عمل إضافي، إلا أن العاملين فيها يواجهون تحديات عديدة مرتبطة بظروف العمل، مما استدعى تدخل منظمات المجتمع المدني لتعزيز وحماية حقوق العاملين في هذا القطاع.
لعبت منظمات المجتمع المدني في الآونة الأخيرة دورا حيويا في دراسة هذا القطاع واستكشافه كونه أصبح من أهم القطاعات الاقتصادية وأصبح جزءا لا يتجزأ من الاقتصاد المحلي، وبدأت بالكشف عن التحديات التي يواجهها العاملون في تلك المنصات الرقمية، وكيفية العمل على استدامة العمل فيها.
وتوصلت العديد من منظمات المجتمع المدني، بعد أبحاث ودراسات وتقارير عديدة أجروها، إلى أن معظم العاملين في تلك المنصات محرومين من أي شكل من أشكال الحماية الاجتماعية وبخاصة الضمان الاجتماعي، إضافة إلى أن علاقات العمل بين العاملين وإدارات المنصات غير متوازنة، ما قد يحرمهم غالبا من بقية حقوقهم العمّالية المنصوصة في تشريعات العمل الأردنية، مثل الأجور غير العادلة وعدم الأمان والاستقرار الوظيفي.
واكتشفت أن السبب في ذلك يكمن في ضعف التشريعات الناظمة لهذا القطاع أكانت قوانين أو أنظمة أو تعليمات، إذ ان تشريعات العمل الأردني مثل قانون العمل لا تعترف بحقوق العاملين عبر المنصات الرقمية كما العاملين التقليديين، وتعتبرهم أصحاب عمل وليسوا عمّالا بيد أنهم يعملون بشكل مستقل.
لكن على الرغم من أن هؤلاء العاملون يتمتعون بجزء من الاستقلالية أثناء عملهم مثل التحكم في أوقات عملهم، إلا أنهم ملزمون بنفس الوقت بتأدية مهام معينة تُحددها الشركات المُشغلة للمنصات، ما يعني أن صفة العامل المنصوصة في قانون العمل متوفرة لديهم، وبالتالي يجب أن يتمتعوا بكافة الحقوق المنصوصة في تشريعات العمل الأردنية. كما أنهم ملزمون بدفع الضرائب الحكومية مثل ضريبة الدخل كغيرهم من العمال.
تعمل منظمات المجتمع المدني حاليا على فتح قنوات للحوار والتفاوض بين العاملين وإدارات تلك المنصات الرقمية، وتسعى إلى إيجاد حلول تحقق مصالح الطرفين، وتوازن بين دعم النمو الاقتصادي من خلال هذا القطاع وبين حماية حقوق العمال وتعزيز معايير العمل اللائق فيه.
وهنا يأتي دور الحكومة في دراسة كل هذه المعطيات التي توصلت إليها منظمات المجتمع المدني حيال ظروف العمل في المنصات الرقمية، والتعاون معها كونها شريك رديف للحكومة وتساندها في معالجة وتحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، واتخاذ إجراءات تضمن حماية حقوق العاملين في تلك المنصات وتضمن استدامة هذا القطاع الهام.
ويتطلب ذلك تطوير المنظومة التشريعية لتشمل جميع العاملين عبر المنصات الرقمية وتعترف بحقوقهم العمّالية كافة، ومعاملتهم كمساهمين أساسيين في الاقتصاد.