علا بدر
يقع الأردن في قلب منطقة تعصف بها النزاعات والحروب الممتدة، محاطًا بالاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، والعراق، وسوريا، هذه الجغرافيا المتوترة تضع الأردن أمام تحديات إنسانية جسيمة، حيث يظهر دور منظمات المجتمع المدني كفاعلين أساسيين ليس فقط في الاستجابة السريعة للأزمات.
تبرز منظمات المجتمع المدني كقوة مؤثرة في الأردن، لعبت وما زالت تلعب أدوارا هامة على مدى العقود في دعم وتعزيز استجابة المجتمع الأردني للنزاعات ونتائجها الانسانية، مع التركيز على توجيه الانتباه إلى الأسباب الجذرية لهذه النزاعات. فعلى مر السنين، تمكنت العديد من منظمات المجتمع المدني الأردنية من تقديم مساعدات حيوية وبناء برامج تعليمية وصحية استجابة للاحتياجات العاجلة والمستمرة للاجئين والفئات الاجتماعية المهمشة.
على الخطوط الأمامية، قامت هذه المنظمات بتوزيع المساعدات الغذائية والطبية وتوفير المأوى للنازحين واللاجئين. لعبت دورًا مهمًا في استقبال ودعم ملايين اللاجئين الفارين من ويلات الحرب في سوريا، وتعاملت مع الاحتياجات العملية الضرورية لهم، انطلاقًا من فهم أن الأمن لا يتحقق دون التنمية، والتنمية لا تتحقق دون الأمن، وكلاهما يتطلب احترام حقوق الإنسان.
منظمات المجتمع المدني في الأردن أيضًا تؤدي دورًا محوريًا في مراقبة الأعمال الحكومية وضمان استجابة شفافة ومسؤولة. تعمل على تقييم فعالية برامج الإغاثة والتنمية وتساهم بشكل فعال في الدعوة لتحسين السياسات والتشريعات. كما تشمل أدوار هذه المنظمات تسليط الضوء على المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتوعية الجمهور بها، خصوصًا فيما يتعلق بالانتهاكات التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين. قدمت تقارير مستفيضة عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة، وكشفت عن النهج الانتقائي للدول الكبرى التي لم تلتزم بمبادئ حقوق الإنسان.
وتسعى هذه المنظمات لتعزيز ثقافة التسامح والتغيير الاجتماعي والعدالة، حيث طالبت منظمات المجتمع المدني بإنفاذ حق تقرير المصير وحثت صناع القرار السياسي على اتخاذ إجراءات مناسبة.
ومع ذلك، تواجه هذه المنظمات تحديات عديدة في تعزيز قدرتها على الاستجابة الفعالة للأزمات. في بعض الحالات، تُستثنى هذه المنظمات من المشاركة في الاستجابة، مما يثير قضايا حول فعالية وشمولية الاستجابات الإنسانية. تبرز الحاجة إلى تعزيز التنسيق بين المنظمات والحكومات لضمان استجابة موحدة وفعالة في مواجهة الأزمات. من الضروري تطوير خطط استجابة للأزمات تشمل جميع الأطراف المعنية وتركز على الأولويات الأكثر إلحاحاً لتحقيق الأمن والتنمية المستدامة.
في ظل السياق السياسي الراهن، تنتظر منظمات المجتمع المدني دورًا أكبر في التأثير على الأحداث، خاصة في ضوء المؤشرات التي تشير إلى استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والتوترات الإقليمية مع إيران. تواجه هذه المنظمات التحديات والفرص لتعزيز موقفها كأدوات فعالة للتغيير الاجتماعي والعدالة. يشير تاريخها في الأردن إلى أنها قادرة على تحفيز المجتمع وصناع القرار نحو التعامل الأكثر إنسانية وعدالة مع الأزمات.
من الضروري أن تتواصل جهود هذه المنظمات لتعزيز الشفافية والمساءلة في العمل الحكومي والمجتمعي، فضلاً عن توفير منصات للمجتمعات المحلية للمشاركة في القرارات التي تؤثر على حياتهم. من خلال التعليم والتوعية، وبناء ثقافة التسامح وقبول الآخر والتي تسعى إلى فهم واحترام حقوق الإنسان.
لضمان استمرارية فعالية هذه المنظمات، يجب العمل على تعزيز قدراتها المؤسسية والمالية، وضمان حصولها على الدعم الكافي لتنفيذ مهامها. هذا يتطلب التعاون الوثيق مع الجهات المانحة الدولية والشركاء الإقليميين لتأمين الموارد اللازمة وبناء شراكات استراتيجية تعزز قدرتها على الاستجابة للأزمات.
أخيرًا، من المهم الاعتراف بالدور الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في توفير الحماية والدعم للفئات الأكثر ضعفًا. في الوقت الذي تتعالى فيه الأصوات المطالبة بحلول سياسية واقتصادية للأزمات، يظل دور هذه المنظمات حيويًا في ضمان تحقيق التنمية المستدامة والعدالة لجميع أفراد المجتمع.