هديل القضاه
يتمتع الأردن بمشهد حيوي للمجتمع المدني، الذي يشمل العديد من المنظمات المتخصصة في مجالات متنوعة، منها التعليم، الرعاية الصحية، تمكين المرأة، والمساعدة القانونية. تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا حيويًا في إيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية، السياسية، والاجتماعية المتنوعة، بالإضافة إلى تقديم الخدمات والدعم للفئات المهمشة، الأمر الذي يتطلب من هذه المنظمات التكيف مع التطورات والمستجدات المستمرة لدعم التغيير المجتمعي والاستجابة للقضايا الحاسمة.
لقد تطور مفهوم الابتكار من مفهوم علمي محدد إلى مفهوم شامل يغطي طيفًا واسعًا من الأنشطة، بدءًا من الاكتشاف وصولًا إلى التطبيق العملي لمعرفة جديدة في سبيل تلبية احتياجات الأفراد. الابتكار والإبداع هما عنصران يكملان بعضهما البعض ويتسعان بشكل مستمر. في بدايات القرن الحالي، برز مفهوم الابتكار الاجتماعي، الذي يشمل تطوير وتنفيذ نهج واستراتيجيات وحلول جديدة تلبي الاحتياجات غير الملباة أو تحسن الخدمات القائمة في المجتمع، بهدف تحسين جودة الحياة وتعزيز المساواة والعدالة.
على الرغم من مساهمات منظمات المجتمع المدني القيمة، غالبًا ما تواجه هذه المنظمات قيودًا ذات صلة بالموارد، والعقبات البيروقراطية، والقدرات المحدودة لمواجهة التحديات المعقدة بشكل شامل. وهنا يكمن أهمية الابتكار الاجتماعي كأداة قوية لاستكشاف آفاق جديدة لتحقيق التغيير الإيجابي المنشود.
الابتكار الاجتماعي لا يظهر بمحض الصدفة، بل هو نتاج لخطوات ممنهجة تسعى لتحسين وتطوير الخدمات. يصنف الابتكار الاجتماعي لمنظمات المجتمع المدني على أنه أحد العناصر المتعددة الأبعاد، التي تتأثر بمجموعة من العوامل، حيث يتطلب الابتكار في سياق العمليات التي تقوم بها المنظمات القدرة على تصميم عملية إنتاجية غير تقليدية، أو تطوير العمليات القائمة من خلال تحسين الأنشطة والإجراءات والطرق، وتوفير قوى عمل متكاملة لتحقيق ذلك، للوصول إلى تحقيق قيمة مضاعفة عالية، وميزة تنافسية، ما يعزز الاستدامة لهذه المنظمات.
يعتبر توظيف التكنولوجيا سمة قوية لتحقيق أهداف منظمات المجتمع المدني، حيث تقدم الابتكارات التكنولوجية أدوات قوية للتواصل والتحرك والدعوة. من خلال استخدام المنصات الرقمية والتكنولوجيا المبنية على البيانات، تتمكن منظمات المجتمع المدني من الوصول إلى جمهور أوسع، والتفاعل بفعالية مع أصحاب المصلحة، والدفع نحو تغيير السياسات القائمة بطريقة تخدم الفئات الاجتماعية التي تستهدفها المنظمات.
يمتد الابتكار الاجتماعي في مجال التكنولوجيا إلى التعامل مع التحديات الاجتماعية المختلفة، من خلال المبادرات التي تهدف إلى تحسين التعليم، وتعزيز فرص العمل، وتحسين الرعاية الصحية، ومكافحة الفقر، وتعزيز حقوق الإنسان، وإيجاد حلول للمشكلات البيئية وغيرها. على سبيل المثال، E-Recycle Hub، منصة تم تطويرها من قبل مجموعة من أفراد المجتمع المدني كمبادرة تزود المستخدمين بإمكانية لإعادة التدوير من خلال توفير برمجية ذكاء اصطناعي لتحديد وتصنيف النفايات، وتقدم هذه المنصة فرصة للحصول على عائد من خلال إعادة التدوير، مما يؤثر إيجابًا على سبل المعيشة ويعزز سلوك إعادة التدوير في المجتمع في الوقت ذاته.
علاوة على ذلك، تسمح الأدوات والمنصات الرقمية للمنظمات بتبسيط عملياتها، وتحسين إدارة المشاريع، وتعزيز المساءلة. على سبيل المثال، تساعد بعض الأنظمة المتقدمة مثل Cloud Computing في إدارة التقارير المالية للحفاظ على سجلات دقيقة والامتثال للمتطلبات التنظيمية، وتسمح أنواع من التكنولوجيا الرقمية بتخزين البيانات بطريقة آمنة ومصنفة ومتاحة للاطلاع، يمكن لتقنية Blockchain أن تعزز الشفافية والتتبع في توزيع المساعدات والخدمات والتبرعات التي تقدمها منظمات المجتمع المدني، مما يقلل من مخاطر الفساد وسوء الإدارة ويعزز الثقة بمنظمات المجتمع المدني.
يزدهر الابتكار الاجتماعي من خلال التعاون وبناء الشراكات، حيث أن تكوين التحالفات مع الجهات الحكومية والشركات والمؤسسات الأكاديمية، يمكن منظمات المجتمع المدني من الاستفادة من الخبرات والموارد والشبكات المتنوعة لتوسيع مبادراتها وزيادة تأثيرها ومواجهة التحديات المعقدة بشكل أكثر فعالية. إلى جانب تمكين المجتمعات المحلية لتصبح شريكة في حل المشكلات واتخاذ القرارات وتنفيذ المشاريع. على سبيل المثال، بعض المنصات المصممة بطرق تفاعلية تتيح فرصة لأفراد المجتمع المدني لتقديم الاقتراحات والأفكار الخلاقة لبناء المشاريع وتنفيذها من خلال منصاتها، مما يعزز الملكية والاستدامة والتوجه إلى المحلية في عمل منظمات المجتمع المدني.
لا بد من إدراك أهمية إدارة منظمات المجتمع المدني لعملية الابتكار الاجتماعي بكفاءة عالية، حيث تنضوي ثقافة الابتكار على توظيف موارد المنظمات والمخاطرة لاغتنام الفرص والانفتاح على الأفكار الجديدة، ما يستدعي تعزيز قدرة المنظمات على التفكير الاستباقي من خلال دراسة المخاطر الداخلية والخارجية للأفكار الإبداعية الجديدة وكيفية الاستجابة لهذه المخاطر وتجاوزها. ومع ذلك، فإن تحقيق الإمكانات الكاملة للابتكار والإبداع في تعزيز تأثير المجتمع المدني يتطلب بيئة مواتية تعزز وتحافظ على نموهما، من خلال الاستثمار في التعليم وتطوير المهارات لزرع قوى العمل المجهزة بالأدوات والعقول اللازمة للابتكار.