نظم الأردن هذا العام، إلى جانب فرنسا وكولومبيا واليابان وأوغندا، أعمال المنتدى العالمي للّاجئين الذي أقيم في جنيف؛ لمناقشة قضايا اللاجئين في العالم. ويهدف المنتدى الذي يعقد مرة كل أربع سنوات، إلى دعم التنفيذ العملي للأهداف المنصوص عليها في الميثاق العالمي بشأن اللاجئين.
وتتمثل هذه الأهداف بتخفيف الضغوط على البلدان المضيفة، وتعزيز اعتماد اللاجئين على أنفسهم، وتوسيع نطاق الوصول إلى حلول بلدان العالم الثالث، ودعم الظروف في بلدان الأصل من أجل العودة بأمان وكرامة.
والأردن من الدول المستضيفة للّاجئين ويضم ما يُقارب 4 ملايين لاجئ من عدة جنسيات، بما في ذلك 1.4 مليون لاجئ سوري، ويمثل اللاجئون بالمجمل ثلث سكان المملكة البالغ عددهم 11 مليون نسمة.
وتعالت الأصوات الرسمية وغير الرسمية المطالبة بإنهاء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وحماية المدنيين أولاً، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية إلى القطاع بشكل مستدام، وتداعيات استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة من ناحية ازدياد أعداد الأشخاص الذين يطلبون اللجوء وينزحون إلى أماكن آمنة، إلى جانب أزمة اللجوء في الأردن ونقص الدعم الدولي لها.
وشكل الأردن عبر العقود الماضية الملاذ الآمن للاجئين جزء لا يتجزأ من المبادئ الوطنية الأردنية التي كانت وما زالت تتميز بها الأردن في الوطن العربي، وبخاصة في المناطق المضطربة التي تشهد حروبا ونزاعات متعددة الأسباب.
في المقابل، التمويل الدولي اللازم للوفاء بالتعهدات في انخفاض، ولا يزيد التمويل عن 22 بالمئة من احتياجات خطة الاستجابة لأزمة اللاجئين، وهو في أدنى مستوى على الإطلاق، الأمر الذي أثّر ويؤثر على الخدمات المقدمة ليس فقط للّاجئين وإنما على الخدمات المقدمة إلى المجتمع المحلي ككل؛ ما يؤدي إلى ظهور أزمات جديدة من الصعب حلها بدون وجود من يحملها مع الأردن.
التحدّيات التي تواجه الأردن أعمق من أزمة اللاجئين، وتاريخياً كان الأردن ينظر إلى تدفّق اللاجئين باعتباره يمثّل دفعا لعجلة التنمية الوطنية، وإذا ما تُرِكت هذه التحديات بدون معالجة فسوف تشكّل إرهاصات لحالٍ من عدم الاستقرار. وإذا ما أراد الأردن مواجهة التحدّيات الوطنية والاستمرار في توفير ملاذ آمن للاجئين فسيحتاج إلى زيادة الدعم الدولي.
فيما نجد أن المجتمع الأردني ينقسم عند أزمة اللجوء، فمنهم من يرى أنها أثّرت على الثقافة الأردنية، وهو ما يحتاج إلى دراسات وأبحاث لمعرفة مدى تأثير أزمة اللجوء على الثقافة الأردنية وطبيعته وما هي الجوانب السلبية والإيجابية له وتقديم توصيات لذلك.
وبعضهم الآخر ينظر إلى المسألة من جانب إنساني بحت وأنه يجب توفير مكان آمن للأشخاص الذين يسكنون أماكن تشهد حروبا ونزاعات وأن لا ذنب لهم بأن يعيشوا أماكن غير آمنة، وبخاصة النساء والأطفال وكبار السن منهم.
وخلال السنوات الماضية، شهد الرأي العام الأردني جدلا حيال تأثير أزمة اللجوء على الموارد، التي هي منذ بادئ الأمر شحيحة والبنية التحتية الاقتصادية في الأردن التي تعاني أصلاً من مشاكل هيكلية قبل أزمة اللجوء.
وكذلك يشهد جدلا آخر حيال تأثير اللاجئين على سوق العمل الأردني وفرص العمل، وتفضيل أصحاب العمل تشغيل اللاجئين بدلا من العمالة الأردنية مقابل أجراً أقل في وقت يرتفع فيه معدل البطالة في الأردن.
من الواضح أن الأردن فقد الثقة في دعم الجهات المانحة الدولية، وهو يوجّه النداءات الإنسانية -آخر تلك النداءات في أعمال المنتدى العالمي للاجئين- التي تشتكي باستمرار من نقص التمويل. وبدون الحصول على مساعدات إضافية واستجابة مستدامة لأزمة اللاجئين سيضطر الأردن إلى تضييق نطاق حماية اللاجئين وتقديم الخدمات الكافية لهم. وهذا سيزيد بالضرورة من مخاطر عدم الاستقرار في الأردن والمنطقة على المدى الطويل.
ويتعين على الجهات الدولية الداعمة إعطاء الأولوية لإدماج المساعدات التنموية والإنسانية للّاجئين والمجتمعات المضيفة. وعلى المجتمع الدولي أن يدرك أهمية الجانب التنموي ويعطي الأولوية لإدماج مساعدات التنمية الوطنية مع المساعدات الإنسانية في سياق استجابته لأزمة اللاجئين؛ ما يعود بالنفع على المجتمعات المضيفة واللاجئين معاً.
كما أنّ إيلاء الجانب التنموي الاهتمام يساعد في الحفاظ على نطاق الحماية الخاص باللاجئين، في ظل ارتفاع حدّة التوتّر في المجتمع المضيف، وهو ما يتطلب من الأردن مقاومة التلاعب السياسي بنطاق حماية اللاجئين. ومن الضروري أن يضمن الأردن حقّ اللجوء للاجئين بهدف توفير الأمن الإنساني لهم.
ولتخفيف حدة التوتر واحتمالات تعرّض اللاجئين إلى الأذى وتعزيز الاقتصاد الوطني الأردني، ينبغي توثيق حرية الوصول إلى سبل العيش، وإضفاء طابع يقوم على الكفاءة في سوق العمل، وتفعيل سياسات مغايرة لما هو قائم حاليا بما ينشّط القطاع الاقتصادي ويشجع الاستثمار المحلي والأجنبي ويوفر المزيد من فرص العمل في الأردن.