علا بدر
تعتبر الحقوق الاجتماعية جزءا أساسيا من حقوق الإنسان التي تهدف إلى تحقيق العدالة والمساواة في المجتمع. ويلعب المجتمع المدني دورا حيويا في تعزيز حقوق المرأة المختلفة ومنها تعزيز الهوية الاجتماعية لهن، حيث تشمل الأخيرة مجموعة من العوامل والمفاهيم التي تحدد كيفية رؤية الفرد لذاته وكيفية تفاعله مع المجتمع والثقافة التي ينتمي إليها.
وبالنظر إلى أن الهوية الاجتماعية تتشكل أساساً من التعدّد، ومشاركة كافة شرائح المجتمع بدون تمييز، اكان على أساس العرق أو الجنس أو الدين، التي من المفترض أن يحميها المجتمع المدني، حيث يعتبر المساحة الذي تستطيع أن نجد فيه موطنا لها. وتتأثر الهوية الاجتماعية بعدة عوامل ثقافية كالقيم والعادات والتقاليد والتوقعات الاجتماعية التي تؤثر في دور المرأة ومكانتها في المجتمع.
كما أن المستوى الاقتصادي والاستقلال المالي للمرأة يؤثر على هويتها الاجتماعية وعلى القرارات التي تتخذها، والذي يظهر بأشكال متعددة، أكان في الفرص المتاحة للرجال والنساء، أو في توزيع السلطة والموارد. وللمجتمع المدني الحقوقي دور حيوي في تعزيز المساواة بين الجنسين، من خلال مجموعة متنوعة من الأنشطة والجهود.
وتنامت الدعوات في الأردن من قبل المجتمع المدني إلى بناء مجتمع أكثر توازنا وعدال، ابتداءً من تقديم التوعية والتثقيف حول قضايا محاربة التمييز بين الجنسين، ودعم مشاركة النساء في العمل الاقتصادي والسياسي، وتعزيز التشريعات والسياسات العادلة.
تمَّ إنجاز بعض التقدم في بعض القوانين، حيث كان للمجتمع المدني دورا مهما في إجراء تعديلات على قانون العمل الأردني، تضمنت إلغاء النص الذي كان يعطي وزير العمل صلاحية إصدار قرار بحظر تشغيل النساء في أعمال وأوقات معينة. إلى جانب إضافة نص على قانون العمل يمنع التمييز في الأجر. إلا أنه ما تزال هناك بعض القوانين العالقة في أدراج المشرعين منها قوانين الأحوال الشخصية ومنح المرأة الجنسية لأولادها من زوج أجنبي وغيرها.
ان هوية المرأة مرتبطة بتحديد الأدوار والواجبات وتوقعات الزواج والأسرة ومستوى تعليمها ومشاركتها الاقتصادية وحتى الملابس والمظهر الخارجي، كلها مجتمعة تشكل ما يعرف بالهوية الاجتماعية للمرأة، والتي يحاول المجتمع بآلياته الاجتماعية كالمدرسة والأسرة الى تحويل الهوية الاجتماعية المبنية على الثقافة إلى طبيعة، وهو ما أعطاها تلك القوة والتأثير والقدرة على الاستمرار والبقاء، وما يدل على ذلك ما نلمسه في استمرار حالات العنف المبني على النوع الاجتماعي إذا ما قررت المرأة تجاوز هذه الفضاء الخاص الذي صنعه لها المجتمع، وقد أدركت منظمات المجتمع المدني الحقوقية تلك القيود وتصدت في العديد من الحملات المتعددة لظاهرة العنف بكافة أشكالها، كالحملة التوعوية والإعلامية التي أطلقها مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية بمناسبة 16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة بعنوان: "لا للعنف الاقتصادي"، وتحت شعار "شُغلها بيحميها"، إلى جانب نشاطات وحملات أخرى قامت بها العديد من منظمات المجتمع المدني.
كما أن التمثلات الاجتماعية من التصورات والقيم والعادات والتقاليد والسياقات والخصوصيات السوسيوثقافية والتاريخية التي رسمها المجتمع للمرأة الأردنية، هي جزء لا يتجزأ من الواقع الذي تعيشه، والتي تعد مكوِّنا أساسيا في بناء الشخصية والهوية لها، وهي ما تعطيها طابع المرأة الحداثية، أو تجعلها تقبع في الصورة النمطية التقليدية بعيداً عن خطابها النهضوي المبني على كل ما يتقاطع مع مفهوم حقوق الإنسان. ويبدو أنه لا يمكن ردم هذه الهوّة أو على الأقل تضييقها إلا بتنمية شاملة قائمة على مواجهة التمييز والتحيّز ضد النساء، وانصافهن من الغبن الاجتماعي الذي لحق بهنّ بناء على تلك التمثلات ما بين الذكورة والأنوثة، والذي يبدأ بتوزيع العمل وتكامله في الأسرة فالمجتمع على النحو الذي يحقق مساواة الشقَّين المتكاملين بين الرجال والنساء.
ولسنا بحاجة إلى بحوث سوسيولوجيّة معمّقة (بحوث تدرس المجتمعات والقوانين التي تحكم تطورها وتغيرها) لنصل إلى أثر المكان على صناعة هوية المرأة، بل إن التمايز يحصل في المدينة الواحدة أيضاً، وبالنظر الى تركُّز منظمات المجتمع المدني في عمان، يمكن أن يكون له تأثير على الخطاب النسوي في الأردن بطرق عديدة، حيث أن منظمات المجتمع المدني في المدن تتبنى تلك الخطابات وتقدم الدعم للنساء، كما تشكل ضغطا سياسيا لتعديل السياسات والتشريعات باتجاه تعزيز حقوقهن، حيث تقوم هذه المنظمات بالعمل مع القادة الحكوميين والتحالف مع منظمات المجتمع المدني الأخرى لتحقيق التغيير في هذا الصدد، الأمر الذي يعزز من قدرتها على تطوير برامج ومشاريع فعالة للمطالبة بحقوق النساء، بينما تواجه منظمات المجتمع المدني في الأرياف صعوبات في القيام بذلك. وبهذا يتضح بأن الهوية الاجتماعية نتاج المحيط الاجتماعي من جهة وقوة منظمات المجتمع المدني من جهة ثانية.
إلا أنه ما يزال هناك الكثير من الجهد المطلوب أمام المجتمع المدني ليقوم بعمليات التفكيك والتركيب وإعادة البناء لمفهوم الأنوثة وتشكيل هويتها وما يرتبط بها من تجذير للأدوار والمكانات والتمثّلات لكلا الجنسين. ويبقى السؤال متعلقا بمعرفة من يقدر على كسب الرهان في فرض الهوية الحداثية للمرأة في الأردن؟