هديل القضاة- مركز الفينيق للدراسات
تعتبر آلية الاستعراض الدوري الشامل (UPR) إحدى الأدوات التي تم تطويرها بهدف تحسين حالة حقوق الإنسان، للدول الأعضاء في الأمم المتحدة والبالغ عددها 193 دولة، من خلال مراجعة سجلاتها في إطار التقدم الذي أحرزته في هذا السياق، في دورة تعقد كل أربع سنوات.
وتلعب الإفادات التي يقدمها أصحاب المصلحة كلا في نطاق عمله واختصاصه، من مؤسسات المجتمع المدني، والمدافعين والمدافعات عن حقوق الانسان، دورا أساسيا كجزء من جمع المعلومات الموجزة التي يقدمها مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان، وتكون على شكل إفادات فردية او جماعية.
وقد بدأت بالفعل مؤسسات المجتمع المدني الأردنية بكتابة إفادتها، التي ينتهي موعد تقديمها خلال شهر تموز من عام 2023، في حين ان موعد مناقشة التقرير الوطني الرسمي للاستعراض الشامل يأتي في شهر شباط من عام 2024. وترتكز عملية المراجعة لأصحاب المصلحة، نحو القاء نظرة فاحصة حول التشريعات الوطنية، والسياسات والممارسات ومدى مراعاتها لمبادئ ومعايير حقوق الإنسان، في سياق الالتزامات الدولية ذات الصلة.
ولأن الية الاستعراض الدوري الشامل تستند على فكرة التعاونية بين الدول الأعضاء، تتعهد كل دولة بعد انتهاء دورة الاستعراض، بالعمل على انفاذ وتطبيق التوصيات المقدمة من الدول للحد من انتهاكات حقوق الانسان.
ومنذ الدورة الثالثة للاستعراض الدوري الشامل، شهد الأردن سلسلة من التحولات في سياق حقوق الانسان، اتسمت على نحو كبير بالبطيء في الإجراءات المتخذة، ما أدى الى الابتعاد عن بوصلة حقوق الانسان، ومسار التوصيات التي تعهد الأردن بتنفيذها سابقا.
تقترن النظرة الحقوقية لما تم احرازه من تقدم في إطار الجهود التي بذلتها الحكومة في سياق عمل المجتمع المدني، بمستوى الحرية والاستقلالية التي تتمتع بها مؤسسات المجتمع المدني، الى جانب مستوى البيئة السياسية والقانونية الممكنة لعملها، والمستندة عادة الى المعايير الدولية والممارسات الفضلى للحق في التنظيم، والحق في التجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير، في إطار ممارسة الحقـوق المدنيـة والثقافيـة والاقتصادية والسياسـية والاجتماعية المختلفة.
وعند مراجعة أبرز الأحداث في سياق القوانين والسياسات والممارسات، التي تحكم عمل مؤسسات المجتمع المدني، خلال السنوات الأربع الماضية، نجد أنها تتضمن مجموعة من العراقيل التي تحد من استقلالية وحرية هذه المؤسسات، والتي تعمقت وازدادت حدتها خلال جائحة كورونا.
رغم جهود سجل الجمعيات خلال السنوات الماضية، نحو عقد سلسلة من الجلسات الحوارية مع مؤسسات المجتمع المدني للاتفاق على صورة جديدة لقانون الجمعيات تعكس مزيدا من الحرية لعمل المجتمع المدني، لم تأتي تلك الجلسات بنتيجة إيجابية نحو تعديل القانون.
في حين، أضافت مسودة مشروع قانون التخطيط والتعاون الدولي للعام 2023، قيود جديدة على الاستقلالية المالية ومصادر التمويل الخارجي لمؤسسات المجتمع المدني. يضاف الى ذلك القيود الجديد المقترحة على عمليات جمع التبرعات المنوي اضافتها الى قانون الجمعيات.
وعلى مستوى السياسات، رغم إطلاق الخطة الوطنية الرابعة لمبادرة الحكومات الشفافة 2018- 2020، لم ينعكس ذلك بعد بشكل إيجابي على العلاقة بين الحكومة والمجتمع المدني، وتم حل عشرات الجمعيات، دون مراعاة تداعيات جائحة كورونا على عملها.
ومنذ المراجعة الثالثة، تم منع عشرات الفعاليات والاجتماعات بموجب قرارات الحكام الاداريين التابعين لوزارة الداخلية، بناء على طلب الحاكم الإداري، وتوقيف عشرات من المواطنين بسبب مشاركتهم في اعتصامات واحتجاجات اجتماعية، كان أبرزها " احتجاجات المعلمين"، ما يفسر انخفاض أعداد الاحتجاجات عام 2022 بنسبة (28%) عن عام2021، كما وردت عن المرصد العمالي الأردني.
تكمن أهمية الاستعراض الدوري الشامل، كونه اداه كسب تأييد لكافة الحقوق التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الانسان، ويشكل تقييم " أصحاب المصلحة" الذي يقدمه المجتمع المدني فارق في استدامة عملية التفاعل مع قضايا الانسان وحشد المجتمع بطريقة منظمة للترويج لحالة حقوق الانسان باستخدامك الإعلام، التقارير الدورية، جلسات التوعية، المقابلات مع الخبراء، وغيرها.. وما يميز هذا النوع من الحراك كونه جزء من حركة اجتماعية أوسع في نطاق تشجيع ممارسات حقوق الانسان عالميا، لهذا يحصل على تأييد عالمي مسبق ما يترك المجال واسع امام فرصة التحدث بحرية حول الانتهاكات، للسعي لتقديم توصيات في إطار تذليلها.