دعت أكثر من 500 منظمة مدنية من 87 دولة حول العالم صندوق النقد الدولي إلى التوقف الفوري عن الترويج للتقشف في جميع أنحاء العالم، والتوجه نحو مناصرة السياسات التي تعزز العدالة بين الجنسين، وتحد من عدم المساواة، وتضع حياة الناس ضمن أولوياتها.
ووقعت منظمات المجتمع المدني على رسالة، موجهة إلى رئيسة صندوق النقد الدولي، معربون فيها عن قلقهم البالغ إزاء نصيحة صندوق النقد الدولي للبلدان بالعودة إلى التقشف بمجرد انحسار الأزمة الحالية، وذلك بصفتهم معنيين بإحراز التقدم نحو العمل على أهداف التنمية المستدامة ومساءلة الحكومات على الوفاء بقضايا حقوق الإنسان.
واعتبر البيان أن وباء “كورونا المستجد” قد كشف عن التداعيات الصعبة للاستثمارات الضعيفة بشكل منهجي في الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية، التي يتأثر بها بشكل مباشر الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة، بمن فيهم النساء وكبار السن والأقليات العرقية والإثنية والعمال غير المنظمين والأسر ذات الدخل المنخفض، كما سلّطت هذه الأزمة الضوء على الفجوة المروعة والمتفاقمة بين الأغنياء والفقراء.
وقال الموقعون على البيان أن على صندوق النقد الدولي استخدام نفوذه وسلطته لدعم البلدان في الحد من عدم المساواة، خاصة وأنه تحدث مرارًا وتكرارًا عن الحاجة لإعادة تشكيل الطريقة التي نعيش بها وبناء عالم أكثر خضرة وذكاء وعدلاً، وتحدث أيضا عن عدم المساواة الاقتصادية والجنسانية وتغير المناخ وسوء الإدارة الذي يمكن أن يضعف النمو ويقوض الاستقرار.
وقال الموقعون على البيان، ومن ضمنهم مركز الفينيق للدراسات الاقتصادية والمعلوماتية، الذي يعمل على تعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومبادئ التنمية المستدامة في الأردن، أنه وعلى الرغم من تحذيرات صندوق النقد الدولي المستمرة من تعمّق قضية عدم المساواة، فقد بدأ بالفعل في حصر البلدان في برامج قروض تقشفية طويلة الأجل مشروطة في العديد من البلدان في الأشهر القليلة الماضية.
وبعيدًا عن الشروط في هذه البرامج الأخيرة، يقول البيان: “نلاحظ أن عددًا كبيرًا من حزم تمويل الطوارئ الخاصة بفيروس “كورونا المستجد” التابعة لصندوق النقد الدولي تحتوي على لغة تعزز الضبط المالي في مرحلة التعافي”. ومع أن الحكومات تكافح لدفع الديون المتزايدة عليها، ويتوقع استمرار حاجتها إلى مستويات غير عادية من التمويل الخارجي لسنوات قادمة، فإن برامج قروض صندوق النقد الدولي– والظروف المصاحبة لها – ستلعب دورًا مؤثرًا للغاية في تشكيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي في أعقاب هذا الوباء.
وأكد البيان أن التقشف والضبط المالي لن يؤديان إلاّ إلى تفاقم الفقر وعدم المساواة وتقويض إعمال الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. ويؤكد هذا ما جاء في بحث أعده الصندوق أنه وبدلاً من تحقيق النمو، أدت بعض السياسات النيوليبرالية إلى زيادة عدم المساواة.
وأشار البيان أن الضبط المالي الصارم والسريع المشروط في برامج صندوق النقد الدولي أدى إلى إجراء تخفيضات مدمرة في استثمارات الصحة والتعليم والحمايات الاجتماعية وتجميد الأجور، وتسريح العمال، وتفاقم أعباء أعمال الرعاية غير المدفوعة الأجر. وفي جميع الأحوال، فإن أكثر الفئات ضعفاً في المجتمعات هم من يتحملون وطأة هذه الإصلاحات، بينما تتمتع النخب والشركات الكبرى والدائنون بالمزايا.
وأكد البيان على أن الضبط المالي لا يضمن الانتعاش الاقتصادي وخلق وظائف جديدة، وقد يؤدي الاندماج السريع إلى تعميق أكبر في الانكماش الاقتصادي.
وطالب البيان بضرورة منح الحكومات الوقت والمرونة والدعم لتحقيق انتعاش مستدام وشامل وعادل، وعلى الحاجة لخطوات فورية وعاجلة لدعم القدرة المالية للبلدان من خلال المنح والتمويل الميسر للغاية، ودعم إلغاء الديون وإعادة الهيكلة، وإصدار مخصصات جديدة لحقوق السحب الخاصة. ومع ذلك، ينبغي أن تبدأ جهود التعافي على المدى المتوسط والطويل بتعزيز الحيز المالي والسياسي الذي يسمح بزيادة الإنفاق الاجتماعي، وليس تخفيضه.
وشدد البيان على أولوية إجراء تقييم منهجي لآثار السياسات المالية على عدم المساواة بين الجنسين وعدم المساواة الاقتصادية، وإلغاء تلك التي تؤثر سلبًا على الفئات الأكثر حرمانًا، وهذا يعني التفاوض بشأن الاتفاقات بشفافية مع مجموعة من أصحاب المصلحة بما في ذلك المجتمع المدني.
وأوصى البيان بالإصلاحات الضريبية التصاعدية وتعزيزها مثل الضرائب على الثروة والأرباح الزائدة للشركات الكبرى، ومكافحة التهرب الضريبي وتجنبها بشكل هادف، وهذا يعني دعم الحكومات بشكل منهجي لإعادة هيكلة ديونها حتى تتمكن من إعطاء الأولوية للاستثمارات في الخدمات العامة عالية الجودة.
وختم البيان بأن الاقتصاد العالمي يقف عند مفترق طرق بين التقشف وأزمات الديون أو اعتماد إطار اقتصادي كلي متوافق مع مكافحة عدم المساواة، والسعي لتحقيق العدالة المناخية، وإعمال حقوق الإنسان، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، داعين في ضوء ذلك البنك الدولي إلى “الابتعاد عن أخطاء الماضي وإغلاق الفصل المظلم بشأن التقشف المشروط بصندوق النقد الدولي إلى الأبد”.