أحمد عوض
بين فترة وأخرى، يطلق بعض السياسيين اتهامات متنوعة ضد مؤسسات المجتمع المدني بأنواعها المختلفة، وخاصة الجمعيات والشركات التي لا تهدف الى تحقيق الربح.
غالبا ما تفتقر ادعاءات هؤلاء السياسيين الى الدقة، وهي تتسم بالعشوائية، بحيث لا يتم تقديم أي أدلة لإثبات اتهاماتهم المتكررة لقطاع تنموي شديد الأهمية، يلعب أدوارا مركزية على مختلف الصعد.
فكرة المجتمع المدني ومنظماته ووجودها مرتبط بشكل كبير مع مفهوم الدولة الحديثة التي تمكن مختلف مكونات المجتمع من التعبير عن نفسها وعن مصالحها والدفاع عنها، وهي مكون أساسي من مكونات الدولة، وهذه المنظمات تنقسم الى العديد من الأنواع تبعا للشكل القانوني الذي تعمل بموجبه، وتبعا للغايات التي تعمل على تحقيقها.
تتفق غالبية مدارس الفكر السياسي على أن وجود منظمات المجتمع المدني في أي دولة مؤشر على تقدم هذه الدولة، ويرتبط بذلك مستوى الحرية والاستقلالية التي تتمتع بها هذه المنظمات في عملها، الى جانب مستوى البيئة السياسية والقانونية الممكنة لعملها، والمستندة عادة الى المعايير الدولية والممارسات الفضلى لحرية التنظيم والتجمع السلمي وحرية الرأي والتعبير.
العارفون بشؤون منظمات المجتمع المدني -أهمها في الأردن الجمعيات والشركات التي لا تهدف الى تحقيق الربح- وآليات عملها يدركون تماما أن آليات عمل هذه المنظمات تتسم بالحوكمة العالية، فهي تطبق أعلى معايير الشفافية والدقة في مختلف عملياتها، وهي ملزمة بقوة قانون الجمعيات وقانون الشركات بتزويد سجل الجمعيات ومراقب الشركات بتقارير تفصيلية عن أعمالها وأنشطتها كافة.
هذا الى جانب القيود الكبيرة التي تفرضها الحكومة عبر قانوني الجمعيات والشركات والتعليمات المرتبطة بهما، والتي تصل الى حد أنه لا يمكنها العمل على أي مشروع أو استلام أي مبالغ من مصادر خارجية قبل الحصول على موافقة مجلس الوزراء، إضافة الى إشراف المؤسسات الحكومية على تنفيذ أنشطتها كافة.
فلسفة تمويل منظمات المجتمع المدني عالميا تقوم في جانب كبير منها على الحصول على التمويل من مصادر مختلفة. يتجه جزء كبير من هذه المنظمات للحصول على مصادر تمويل خارجية من خلال التقدم للعمل على مشاريع معينة تتفق وأهدافها ومجالات اختصاصها -عادة يتم تحديدها بين الممولين والحكومة الأردنية بشكل مسبق.
إن أي اتهامات بممارسة الفساد على نطاق واسع في منظمات المجتمع المدني، تعميم يفتقر للدقة، وهذا لا يعني أن هذا القطاع (مقدس)، فهو كغيره من القطاعات الأخرى، من صناعية وتجارية وخدمية، ومثلها مثل قطاعات المهنيين من محامين وأطباء ومهندسين، فيه الغث والسمين، وفي هذه الحالة يكون القضاء هو الفيصل في حسم أي ممارسات خارج نطاق القانون إن وجدت بينها، وليس توزيع الاتهامات العشوائية.
المتابع لمسار الاتهامات ومطلقيها، يجد أن بعضها يتركز على أن هذه المؤسسات تنشر بعض القيم التي تخالف القيم والممارسات الاجتماعية السائدة، فإذا كان تعزيز المشاركة السياسية ومكافحة عمل الأطفال ومحاربة تزويج القاصرات، ومحاربة الاعتداء على حقوق النساء المختلفة وحرمانهن من ميراثهن الشرعي “تهم”، فهده مشكلة مطلقيها وليست مشكلة منظمات المجتمع المدني.
وإذا كان التمكين القانوني للمجتمع، ومحاربة أشكال العنف كافة ضد النساء والأطفال، والترويج لشروط العمل اللائق والدفاع عن الفئات الاجتماعية المستضعفة والمهمشة ومساعدتها يعتبرها بعضهم “تهم”، فهذه مشكلتهم وليست مشكلة منظمات المجتمع المدني.
الى جانب ذلك، نقول إن منظمات المجتمع المدني الأردنية وغير الأردنية العاملة في الأردن تلعب دورا اقتصاديا كبيرا، فهي تشغل على أقل تقدير ما لا يقل عن 50 ألف عامل وعاملة، ومعدلات أجور العاملين فيها والحمايات التي يتمتعون فيها أعلى من المتوسط العام في المملكة.
وفي الختام، نؤكد أن أي مؤسسة تعمل في البلد سواء كانت مؤسسات ربحية أم غير ربحية، حكومية أو خاصة، يجب أن تمارس في أعمالها أفضل معايير الحوكمة الرشيدة، وعلى من يرى أن هنالك مؤسسات تعمل خارج نطاق القانون، فليذهب الى القضاء، لأن توزيع التهم العشوائية لا يفيد أحدا.