سارة القضاة
لعل أكثر ما يعول عليه في المجتمع المدني الأردني هو تعدد الاختصاصات التي تعمل ضمنها منظماته، التي، وبالتعاون مع الشركاء من الحكومة والقطاع الخاص، تشكّل إحدى الدعائم الرئيسة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ولعل أبرز ما يميز هذه المنظمات هو توجهها لخدمة المجتمعات المحيطة بها وتعزيز الحوار المجتمعي ضمن اختصاصاتها، وبخاصة بعدما أبدى العالم توجهه الصريح نحو التنمية المستدامة من خلال الأهداف الإنمائية للألفية الثانية، ثم أجندة أهداف التنمية المستدامة 2030، التي جعلت منه مسؤولا وشريكا أساسيا في الوصول لهذه الأهداف بالصورة المرجوة.
وبشكل صريح، كفل إطار ما بعد 2015 "تحقيق السلام وجعل المجتمع المدني جزءا من عملية مراجعة أهداف التنمية المستدامة على المستوى العالمي"، والحق في إقامة مجتمعات مسالمة لا يهمّش فيها أحد، وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، على المستويات كافة، من أجل تحقيق التنمية المستدامة.
والمجتمع المدني الأردني واسع النطاق، حيث نجحت منظماته المتنوعة بين نقابات ومنظمات حقوقية وتنموية وغيرها، وبما يزيد على سنة آلاف منظمة، في بناء الوعي التنموي لدى المجتمعات الملاصقة لها، وبخاصة في مجالات حقوق الإنسان والتنمية وغيرهما.
وإلى جانب مرونة المجتمع المدني وانخراطه في مكونات المجتمع المحلي القريب منه، وقدرته على التشبيك محليا، يمتلك فرصا كبيرة في التشبيك مع الخارج، وبخاصة بعد أن برز دور المنظمات الشبابية وازدياد فاعليتها.
وهنا، يجب أن نقف على أهمية الدور الذي تلعبه هذه المنظمات في التنمية المستدامة، بصفتها أحد ضوابط العملية الديموقراطية، التي تسهم بدورها في تعزيز نظم مختلف أبعاد العملية التنموية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.
ويمكن القول إن هذه المنظمات والمؤسسات في الأردن، وعلى مختلف أطيافها واختصاصاتها، تعمل تحت مظلة التشريعات والقوانين التي تسنها الدولة، وتساهم بشكل ملموس، حالَ تواءمت المظلة التشريعية وأنشطة المجتمع المدني التنموية، في تجويد مستويات الحياة وتعزيز إمكانية الوصول للرفاه الاجتماعي.
ومن ناحية، لا ينكر أحد ضيق هامش الحريات، نسبيا، التي يعيشها المجتمع المدني الأردني، وهو أمر يتصل بشكل خاص في قدرته على المشاركة في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
غير أن الجميع يتفقون على أن ضمان التمتع بهذه الحريات والتوسع فيها يشكل "شرطا جزائيا" للمشاركة النشطة للمجتمع المدني في صنع القرار، كشريك أساسي لتحقيق التنمية المستدامة، جنبا إلى جنب مع الحكومة.
ومن ناحية أخرى، فإنه للوصول لأهداف التنمية المستدامة كما خُطط لها، يقع على عاتق منظمات المجتمع المدني دور تقييمي لما أُنجز، وبخاصة لما يتعلق بالدور الحكومي، وتلمس المعوقات والتحديات، عن طريق تنظيم المشاركة المجتمعية، والمساهمة في تنفيذ وتقويم الخطط التنموية، لتشكل بذلك جسور ربط حقيقية بين المجتمعات المحلية وصانعي القرار.
هذا إلى جانب الدور الرقابي الذي تلعبه هذه المؤسسات في أن تكون "عينا ثالثة" على الأدوار المنوطة بالجهات الأخرى، وبخاصة الحكومة، من خلال ما تقدمه تحالفات وائتلافات المجتمع المدني من ملاحظات وتوصيات على شكل "تقارير ظل" توجهها للحكومة والأمم المتحدة لمراقبة "أين نقف الآن".
إن فلسفة أهداف التنمية المستدامة 2030 تصب في آخر هدفين: السادس عشر والسابع عشر، اللذين يركزان وبوضوح على الشراكة بين جميع أطياف المجتمع، للحد من أوجه عدم المساواة والوصول إلى العدالة والسلم المجتمعي، التي، بشكل أو بآخر، لا يمكن بدونها إحراز أيٍّ من الأهداف الأخرى.